بدون مقدمات تعثرت به .. في عصر يوم شتائي ممطر
كان أول لقاء .لي . بعيناه ..
كنت عائدة من بيت عمي .. وبدون مقدمات زمجرت السماء
واطلقت صرخاتها .. لتهطل أمطارها .. وتبللني من رأسي لى قدمي

ومع ازياداد تدفق المطر .. يزداد الرعب في نفسي ..
فالسماء غاضبة جداً .. وبقدر غضبها كان هلعي

اخترقت اصوات الرعد ولمعان البرق كل حواسي وخطفت قلبي

اخذت في الركض .. والركض الى ان سقطت في الوحل

تباً .. الا يكفييني المطر !!

حاولت لملمة شتات نفسي والنهوض وقد انتابتني حالة بكاء
لم اعرف سببها !!

هل لأني وحيدة أم لأن السماء غاضبة أم بسبب اتساخ ملابسي

من خلال دموعي لمحت يداه .. بهدوء مدها لمساعدتي

على النهوض .. بقيت دقائق طويلة اتأمل يداه .. عيناه .. وجهه

وخصلات شعره التي بللها المطر ..

لم ينبس بكلمة .. كان صامت .. ولكن كل شيء فيه يوحي بالجمال

تشبثب به بقوة .. وبقيت لدقائق أتأمل وجهه ..

كنت مذهولة لحد الجنون ..

وبين ذهولي وصمته عادت السماء الى غضبها ..

سللت يدي منه وواصلت ركضي
الى بيتنا ..

كل شيء فيني .. اصابه التعب ..

اخذت في طرق الباب بشدة .. كنت اصرخ بأعلى صوتي

افتحوا الباب ررددتها كثيرا حتى جاء الفرج

وفي غرفتي غرقت في نوبة بكاء شديد ..

وبقيت في فراشي حتى وقت متأخر من الليل لم يغمض لي جفن

كنت استرجع ما حدث لي !!

لم اذهب للمدرسة في اليوم التالي ..

مازلت غير مستوعبة لما حدث ..

ومازال وقع المطر وصوت السماء .. يزمجر في اذني

في مساء ذاك اليوم جائني صوتها ... ثائر ..

حادثتني شذى ..

وصرخت

جنى !!

افتقدتك اليوم لماذا لم تأتي الى المدرسة ..

حقيقة لم اعرف كيف أرد عليها ..!!

أأقول بأنني تعثرت بشاب لا أعرف من يكون .. ولكن عيناه باتت أجمل احلامي

أم اقول بأنني بقيت لدقائق عديدة غبت فيها عن كل شيء الا خصلات شعره المبلله

أأقول بأنني لم أنم في ليلتي تلك وبقيت أفكر فيه وفيه وحده ..

جنى .. ردي ..

انتبهت على صرخاتها .. اعذريني شذى كنت تعبانة .. والله تعبانة

أطفئت كلماتي .. غضبها .. وأردفت قائلة .. سأراك غداً يجب أن تاتي .

آه .. سأحضر .. ان شاء الله

اغلقت الخط .. وبقي في نفسي سؤال حائر ..

لم تتلهف شذى ... لحضوري بهذا الشكل ..

صديقتي هي منذ سنوات طويلة ولكنني لم أعهد منها تلك اللهفة والاهتمام

نهضت باكراً .. وارتديت ملابسي .. ورتبت شعري .. ووقفت أتأمل وجهي

.. أخذت ابتسم .. لنفسي مرات عديدة .. في المرآه

يالله .. ماهذه الحركات الجنونية التي اقوم بها !!

اخذت حقيبني ومضيت .. وفي المدرسة استقبلتني شذى

جنى تعالي أريدك بموضوع مهم قبل ما يبدأ الطابور ..

اصبت بذعر شديد .. هذه أنا .. لاجديد في الأمر

اخرجت شذى من جيبها ورقة ..

سألتها عن ماهيتها ؟

قالت لي افتحيها واقرأيها .. هيا اقرأيها يا جنى ّّ

فتحت الرسالة والتهمت كلماتها بنهم شديد

كانت رسالة من شخص أحب شذى . لم اقرأ مثل تلك الكلمات في يوم ما

ولم اسمع مثلها حتى في تلك الأفلام التي كنا نسترق النظر اليها أنا وشذى

في غرفة أخيها ..

من مين ياشذى !! سألتها بذهول ..؟

ردت بهدوء من ... فارس .. اسمه فارس ..ّّ

وببرود سألتها تحبيه ؟ احمرت وجنتاها وصمتت قليلا قبل أن تجيب نعم

ماذا افعل ياجنى هل أرد عليه ام انني انسى الموضوع واتجاهله !!

فكرت طويلاً بالأمر وفي الأخير

قلت لها تجاهليه يا شذى ..سيحبك أكثر ويتعلق فيك ؟؟؟ كنت عفوية حين قلت لها ذلك هزت رأسها ودخلنا للصف

لم أعي شيء مما قيل في ذاك اليوم ولم انتبه لشرح المعلمات فقد كان تفكيري منصب على شذى وحبيبها و  ذاك الشاب الذي تعثرت به.

عدت الى المنزل منهكة .. من شده التفكير وقررت أن أخلد للنوم

علني أنسى ما حدث ..

ومرت الأيام شغلتنا الاختبارات بهمومها .. ولم أعد أفكر في موضوع شذى

بيت ان ذاك الشاب مازال حبيس افكاري وتخيلاتي ..وتلك الليلة الممطرة مازال صداها في أذني

وأخيرا جاءت الإجازة .. شعرت بسعادة لاتوصف ..وقررت يومها الاتصال بشذى

حتى نضع جدول لنستفيد من الاجازه ..

ردت علي والدتها ... وبعد السلام طلبت منها مناداة شذى ..

جاءني صوتها بشوشاً مستبشراً .. .. هناك دفء لم أعهده في صوتها
بسخرية وشقاوة قلت لها ؟؟ صايرة حنونه يا شذى .. ماهي قصتك بالضبط ؟

ضحكت كثيراً ثم قالت .. بسرعة اتخذي قرارك ياجنى ...ياتجيني يا أجيك اختاري ّّ!!

خيرا... شذى ماذا حصل حتى تقرري هذالقرار الخطير ؟

جنى !! لا تسخري مني لو سمحتي ّ!! قالتها وهيا تقاوم ضحكها

حلفت لها انني لا اقصد السخرية ولكنني حقاً اجهل السبب .

قالت لي .. اتذكرين صاحب الرسالة ..

قلت لها نعم .. ماذا كان في امره ..

اخبرتني شذى أنه قد تقدم لخطبتها ويريد اتمام الزفاف بأسرع وقت ..

جنى تعالي .. اريد أن أريك صورته ..

وأخذني فضولي الى عالمها .. أصرت شذى أن أغمض عيناي قبل أن تريني صورته ..

بسرعة ياشذى بموت واشوف اللي بيآخذك مني .. كنت سعيدة لأجلها ..

هي شذى رفيقة الطفولة والمراهقة ..

فتحي عيونك ... وفتحت عيناي وليتني لم أفعل !!

كان خطيب شذى ومن أحبت هو الرجل الوحيد الذي سكن قلبي

نفس العينان الحالمتان .. الوجه الجميل .. والشعر الذي بلله المطر ..

مرت الدقائق سريعة ومازلت أحدق في فارس ..

قرصتني شذى .. جنى وشفيك ... مو حلو ولا ايش القصة ..!!

يلا جنى قولي حلو ولا لا ....

الف الف آه اعتصرت قلبي .. وفاضت لتكسر كل شيء جميل في نفسي ..

بارتباك رددت عليها .. حلو .. والله حلو ياشذى .. ربي يسعدك ..

اختنقت....... لا اريد البقاء .. اريد العودة الى غرفتي ..

اتصلت بأمي .. ماما ارسلي لي احد يآخذني بسرعة

حاولت شذى معي .. أمها .. وأخواتها .. ولكنني فضلت الرحيل

الى عالمي .. فجراحي نازفة .. ونفسي مبعثرة ... فمن أحببت سيكون زوج لأعز أعز صديقاتي

بكيت .. وبكى كل شيء معي .. بللت دموعي .. خدي .. ووسادتي

وددت لو أنني أستطيع الصراخ بأعلى صوتي .. علني أنفس عما بداخلي ..

ومضت الأيام سريعا ً ... وحدد موعد زفاف شذى ..

أصرت شذى على اصطحابي في كل رحلة تبضع لها ..

اخترت لها العديد من ملابسها .. وأغراض منزلها ..

وفي اليوم المنتظر كنت معها عند المزينة ..

الكل كان يسأل .. انتَ اخت العروس .. فأرد عليهم نعم ..

كنت سعيدة ولكن دموع حائرة تأبى الا النزول .. تريد فضح مشاعري الجرحى ..

احتارت المزينة في أمري .. ما اسمك قالتها وهي محدقة في عيناي ..

بإرتباك رددت .. جنى .. اسمي .. جنى

اسمك حلو .. وعيونك احلى .. ليش حزينة وليش عيونك مليانة دموع ؟

من قال انني حزينة ؟ أنا سعيدة وسعيدة جداً ؟

اها دموع الفرح يعني .. ابتسمت .. نعم دموع الفرح ..

رباه كيف اخبرها ان الليلة هي ليلة موتي ..؟! آه ياقلب جنى

ربتت على كتفي .. وقالت هونيها تهون ..

لابد أنها قد احست بمافي داخلي .. بكل ما أملك من قوى حاولت التماسك

لا اريد البكاء .. لا اريد لحظات الضعف .. يارب ساعدني !!

لأنني أحب الاثنان شذى وفارس كنت اتمنى الا ابكي ..

لا اريد أن تخون مشاعري صديقة العمر ...

وانتهت المزينة من عملها وخرجت وأنا مازلت احاول التماسك

وهناك

رأيتها تبتسم لي

شذى مارايك في شكلي حلوه ولا لا ؟

بفرح رددت قمر ونص ياشذى .. هو انتي في منك اثنين ..

هي تحبه بلا شك .. ربي اسعدها .. قلتها من كل قلبي ..

شاركت شذى واخواتها الفررحه .. رقصنا وغنينا كثيرا

وهناك كان الجميع  يسأل عني !!

من هذه .. فتجيهم ام شذى هذه ابنتي جنى اخت شذى التي لم ألدها

ياه ياخالة .. ياحبي لك

وكلما قرب وقت الزفة كلما ازداد احساسي بالخوف ..

بدأت الزفة . وأقبلت شذى تتهادى بدلال وهي ممسكة بيد فارس ..

اكتملت اللوحة على صوت القيصر .. في تلك اللحظة فقط بكيت

تمنيت لو أنني ازف لفارس .. تعالت الهتافات والتصفيق ..

والتعليقات تتطاير يمنة ويسرة العريس حلو .. يابختها ...

آه .. وددت لو يتوقف الكون لدقائق فقط .. حتى أعيد ترتيب احداث

هذه الليلة .. بما يناسب اهوائي ..

ولكن هيهات ..............

انتهت مراسيم الزفاف وذهبت شذى مع حبيب قلبي .. وقلبها !!
 

 وعاد كل واحد منا الى منزلة ..


ضممت وسادتي بكل ما اوتيت من قوة .. وكتمت صوت نحيبي بها ..

لماذا  ياشذى ؟؟ لم أحببت فارس لما هو بالذات  ؟

لم استكثرت علي لحظة فرح ... لماذا ؟

وفي لحظة شيطانية قررت استعادة فارس .. أو بالأحرى سرقة قلبه ؟

اعذريني ياشذى ولكنه حبي الأول ؟؟

ولن أدعة يضيع من يدي هذا قراري

سحقااً كان هذا القرار اسوأ قرار اتخذته بحياتي ..

مرت الأيام وازداد ارتباطي بشذى .. اكثر واكثر

كانت تحكي لي كل شيء عن حياتها الجديدة وعن فارس ..

كنت اتلهف لسماع اخباره منها .. مايحبه ومايكرهه ..

بإختصار كنت اعيش مع فارس من خلال شذى ؟؟

وفي تلك الليلة قررت أن اهاتف فارس ..

اخرجت بطاقة جديدة ابتعتها لأجل ذلك . ألم أقل لكم أن فكراً شيطانياً قد تلبسني !!

ضغطت أرقام هاتفه بسرعة .. تلك الأرقام التي سرقتها من محمول شذى ..

وجائني صوته عذبا..

الو .. الو .. لم استطع التحدث تركت لأم كلثوم زمام الأمور

صدحت بأغنيتها بعيد عنك .. حياتي عذاب ..

طوط طوط ..

 لم يكمل فارس سماع الأغنية

ولم يعلق بشيء ... وساد الصمت من بعده ..

في كل ليلة تتكرر محاولتي للوصول لقلبه ولكن لا فائدة ..

كان الصد هو حليفي ..

اتخذت قراري سأحادثه ساخبره من أنا .. ربما يحبني ..

أنا أجمل من شذى .. واذكى .. ووو

وماذا ياجنى آه منك وآه عليك ..

في تلك الليلة انتظرت الى نام الجميع وسكن المنزل من الضجيج

وهاتفته .. جائني صوته ثائر غاضب ..

الو .. خير .. انت مين ..

لم استطع التحدث .. غضب فارس الجمني !!

اذا مارديت راح اتصرف معك تصرف لا يعجبني ولا يعجبك بالطبع !!

هنا فقط خرج صوتي الى النور

آآآ .. فارس ... صدى صوتي كان يرتجف من الخوف ..

نعم أنا فارس ... خير !

قلتها ببرود .. فارس أنا .....انا جنى ..

مرت ثواني سريعة قبل ان يأتي رده خير ياجنى ؟

فارس أنا أحبك .. وأحبك ..

.. أحببتتك منذ تلك الليلة الممطرة ..

أنا من بللها المطر ذات مساء وجئت انت لمساعدتها ؟؟

فارس أحبك والله أحبك .. خرجت تلك الكلمة من أعماقي

ليتعلثم فارس وبقي مذهول لاينطق .. انتظرت منه كلمات تطفىء نار قلبي

ولكن رده جاء مخيب للآمال

بهدوء قال : جنى ... شذى صديقتك .. وهي تحبك .. وتخونينها ..

خسارة الصداقة واتبع كلماته تلك بأخريات لا اريد تذكرها ..

فقد جعلتني انهار بشكل كامل ...

الى اين اذهب وماذا افعل ؟؟ خسرت فارس وشذى في نفس اللحظة

وقررت أن أضع حد لحياتي .. اخذت سكينا كبيرا .. و قطعت وريدي

تماماً كما حدث في (فيلم المراهقات ) ذاك الفيلم  الذي عشقت مشاهدته مع شذى ..

سأطبق ما حدث وسأرتاح ؟؟ وأريح !!

وفعلتها .. رأيت الدم يناسب بغزارة .. من يدي .. ومن فزعي صرخت ..

جاءت أمي وتبعها أبي .. وتعالت الصرخات ... ورأيت جدتي تبكي ..

كان وجهها آخر ماشاهدت .. وبقيت اياماً لايرتعش لي هدب ...

كنت أقاوم العودة للحياة بقوة .. لا أريد أن أعيش ؟؟؟ أريد الموت

بكى أبي ... لماذا ياجنى ؟؟ كنت اسمع صوت نحيبة .. وتوسلاته لي

كان يضمني عشرات المرات الى صدره .. لا أحد يشبه أبي ..

ومر شهر كامل عدت للبيت شبه منهاره ..

لم يسألني أبي عن السبب .. وكذلك أمي ..

اغدق أبي علي أنواع الحنان ..

امي تذكرني كل يوم بأنني وحيدتها وحبيبتها ..

اما جدتي فقد أخذتني في أحضانها .. وبكيت كثيراً

أحسست أنني نقية مادمت في حضن جدتي ..

بهدوء قالت لي  :  جنى .. مابها حلوتي الصغيرة ؟؟

آه يا ( تيتا ) هكذا كنت أناديها !!

 ماذا أقول ...

كيف استطيع البوح لك ؟؟

قد تكرهينني لأنني خائنة .. مذنبة أنا .. وشيطانة ..

وبحنان الكبار غمرتني .. اخبرتني أن كل انسان معرض للخطأ

وأن المهم هو أن نقلع عن أخطائنا .. ونتوب عنها ونرجع للصواب

وهل يغفر لي ربي ؟؟ ومن حولي ..

هزت راسها الله غفور رحيم ياجنى ..

قررت العودة الى جنى .. ذاتي .. كياني .. طفولتي .. مراهقتي .. مشاكساتي ..

بعيداً عن طفلة المطر ..

وتجاهلت بألم شذى وحياتها .. .. اتصالاتها المتكررة .. سؤالها الدائم

ورسائلها .. يبدو أن فارس لم يخبرها بالأمر ..

حتى في لحظات الكره عظيم هو فارس

انتقلت من مدرستي الى مدرسة أخرى لا أعرف فيها أحد ..

وبدات حياتي من جديد ... بقلب جديد .... احتفظ فيه لشذى بأجمل الذكريات

وبرغم مرور شهور على تلك الحادثة ... وابتعادي عن شذى ..

اجدها اليوم ترسل لي رسالة .. لتخبرني بأنها قد أصبحت أم ..

لطفلة جميلة أسمتها جنى ...

سقطت دمعة حزينة من عيني لتطفىء اي بقايا حب لفارس ..

وفاء لشذى وطفلتها .. جنى ....


بقلم مرمريتا
ضمن بكائية جنى ...
28 - 9 - 1426 هــ